من هم أهل البيت؟
المقدمة
تبين من التوضيحات السابقة أن المعصومين يمتنعون عن المعاصي باختيارهم، وذلك لعلمهم بعظمة الباري عز وجل، وتنفّرهم من كل ذنب ٍ وسيئة، وعلمهم بالآثار السلبية للذنب مهما كان صغيرا ً في منع الإنسان من رقي سلم الكمال.
والخلاصة: أن الله جل وعلا علم أن إرادة المشمولين بالآية تجري دائما ً على وفق ما شرعه لهم من أحكام، بحكم ما زوّدوا به من إمكانات ذاتية، ومواهب مكتسبة نتيجة تربيتهم على وفق مبادئ الإسلام، تربية حولّتهم في سلوكهم إلى إسلام متجّسد، فقد أخبر عن ذاته المقدسة بأنه لا يريد لهم بإرادته التكوينية إلا إذهاب الرجس عنهم.
وجاءت آية التطهير لتؤكّد حصر من توفرت فيهم هذه الملاكات في أهل البيت عليهم السلام، فمن هم أهل البيت؟
قال الألوسي: والذي يظهر لي أن المراد من أهل البيت من لهم مزية علاقة به (ص) ونسبة قوية قريبة إليه، بحيث لا يقبح عرفا ً اجتماعهم وسكناهم معه في بيت واحد، ويدخل في ذلك أزواجه، والأربعة أهل الكساء وعلي كرم الله وجهه، مع ما له من القرابة من رسول الله (ص)، وقد نشأ في حجره عليه السلام، فلم يفارقه، وعامله كولده صغيرا ً، وصاهره وآخاه كبيرا ً
دعوى نزول الآية في نساء النبي
اشتهر عن عكرمة بروايته عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في أمهات المؤمنين، وكان متحمسا ً إلى هذا الرأي إلى درجة أنه كان يقول: (من شاء باهلته أنها نزلت في أزواجه) وكان يقول: (ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي) (2).
ولو حلّلنا شخصية عكرمة وجدنا ما يأتي:
1- انه من الخوارج الذين كفّروا عليا ً عليه السلام وخرجوا لقتاله، فلو التزم بنزول آية التطهير في أهل البيت - وعلي منهم – لكان عليه القول بعصمته، وضلال كل من يخالف عليا ً في الموقف، فيكون ناسفا ً لكل الفكر الخوارجي!! (3).
2- اشتهر عكرمة بالكذب على ابن عباس لدرجة أن سعيد بن المسيّب كان يقول لغلامه بُرد: (إياك أن تكذب عليّ، كما يكذب عكرمة على ابن عباس) (4).
وفي مناسبة أخرى يجد أحدهم عليا ً بن عبد الله بن عباس وقد أوثق عكرمة - خادم أبيه – على باب كنيف فيقول له: (أتفعلون هذا بمولاكم؟ فقال: إن هذا يكذب على أبي) (5).
إذن، لا يُعتمد على تفسير عكرمة لآية التطهير لهذين السببين، خصوصا ً إذا عرفنا أن الرأي السائد على عهد عكرمة كان على خلاف رأيه، لذا قال: (ليس بالذي تذهبون إليه..)
ولقد شارك عكرمة في رأيه هذا شخص آخر اسمه (مقاتل) الذي يقول عنه أرباب السير:
1- كان مقاتل كذابا ً جسورا ً.
2- أنه قال للمهدي العباسي: إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس، قال له: لا حاجة لي فيها.
3- عدّه النسائي في جملة الكذابين المعروفين بوضع الحديث.
الأهـل
في عصرنا الحاضر يمكن إطلاق الأهل على الزوجة في بعض الدول العربية، لكن ينبغي أن ننظر إلى استعمال هذا العنوان في عصر نزول الآية.
ولو رجعنا إلى (صحيح مسلم _ باب فضائل علي) نجد أن زيد بن أرقم سئل عن المراد بأهل البيت، هل هم النساء؟ قال: (لا وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها، فترجع إلى أبيها وقومها).
ويؤكد ذلك أن أم سلمة تقول: (نزلت هذه الآية في بيتي:
قلت: ألست من أهل البيت؟
قال (ص): إنك على خير، انك من أزواج النبي) (6).
والعجيب أن دعوى نزول هذه الآية في نساء النبي شرف لم تدّعه لنفسها واحدة من النساء، فلو كان المخاطب بآية التطهير زوجات النبي (ص)، لكنّ أوّل من يفتخر بهذه المنزلة العظمى.
تطبيقات من النبي (ص) لعنوان (أهل البيت)
تواترت الأحاديث عن رسول الله (ص) بأنه طبّق عنوان (أهل البيت) على ابنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وعلي بن أبي طالب، وولديهما الحسن والحسين عليهم السلام، وكان هدفه من ذلك إزالة أي غموض محتمل حول مصداق الآية.
فنراه (ص) يمرّ بباب علي وفاطمة لفترة طويلة وقت صلاة الفجر، ويعيد قراءة آية التطهير ليجعل الذهنية العامة تستقرّ على المراد من أهل البيت، كما أنه جمعهم تحت الكساء مرّات وقرأ آية التطهير لتحصر أهل البيت في أولئك الذين احتواهم الكساء.
وهذه بعض الأحاديث الدالة على ذلك:
1- روى مسلم في صحيحه span> ج7/ ص310، والبهيقي في سننه ج2/ص149 عن عائشة قالت: (خرج النبي غداة وعليه مرط مرحل، من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
2- وروى الحاكم النيسابوري في (المستدرك على الصحيحين) span> ج2/ ص416، عن أم سلمة مثل ذلك وفيه (قالت أم سلمة: يا رسول الله ما أنا من أهل البيت؟
قال إنك إلى خير، وهؤلاء أهل بيتي)
قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث صحيح على شرط البخاري.
3- وروى السيوطي في (الدر المنثور) span> ج6/ص 604 حديثا ً بنفس المضمون عن أبي سعيد الخدري.
4- وروى الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل) ج2/ص29 عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (نزلت هذه الآية على النبي وليس في البيت إلا فاطمة والحسن والحسين وعلي، فقال النبي (ص): اللهم هؤلاء أهل بيتي)
5- وروى أحمد بن حنبل في (المسند ج3/ص259) عن أنس بن مالك: (أن النبي (ص) كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول: الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
6- وروى السيوطي في (الدر المنثور) في ج5/ص199 عن أبي الحمراء خادم الرسول (ص) قال: (حفظت من رسول الله (ص) ثمانية أشهر بالمدينة، ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى باب علي، فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال: الصلاة، الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)