مراجعة ونقد لكتاب أدب الحديث.. أصوله، تطوره، ملامحه الخاصة
بسم الله الرحمن الرحيم
* نشر في مجلة (الجامعة الإسلامية) الصادرة من لندن، العدد الثالث محرم-ربيع الأول 1415 تموز-أيلول 1994
فكرة موجزة عن الكتاب
صدر أخيراً كتاب باللغة الإنجليزية يحمل العنوان أعلاه من جمعية المتون الإسلامية في كمبريدج، لمؤلفه محمد زبير صدّيقي، الأستاذ السابق للثقافة الإسلامية في جامعة كلكته بالهند، وهو واقع في 174 صفحة.
يشتمل الكتاب على مقدمة للمؤلف، وأخرى للمراجع وهو عبد الحكيم مراد، وسبعة فصول، تتلوها ثلاثة ملاحق.
يُعنى الفصل الأول بالحديث كمصطلح، ثم الصلة بينه وبين السنة، فأهمية الحديث وتدوينه. ويفرد بحثاً خاصاً لـ (الموطأ)، ثم ينتقل إلى تصنيف النصوص الحديثية.
بينما يناقش في الفصل الثاني مصطلح الصحابة، وعددهم، ورواة الحديث منهم، ويعرج على دقّة الصحابة وشدّة تحرجهم (The Scrupulousness of the Companions) ليؤكد على أنهم كانوا يحتاطون كثيراً في نقل الأحاديث. فمن ذلك ما ألزم به عمر كلاً من المغيرة بن شعبة، وأبي موسى الأشعري، وعمرو بن أمية، وأبيّ بن كعب بتقديم شهود على صحة الأحاديث التي نقلوها على ما كانوا يتمتعون به من مقام رفيع.
ونفس الشيء يصدق على عثمان بن عفان الذي كان دقيقاً في نقل كلام النبي بمنتهى الحيطة والحذر، في حين كان علي يرفض أي حديث ما لم يوثقه الراوي نفسه بالقَسم. وكثيراً ما سمع عنه أنه كان يفضل أن تخر السماء على رأسه، على أن يتقوّل حديثاً باطلاً على رسول الله.
ثم يربط هذه النماذج وغيرها بالحديث المشهور عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
أما الفصل الثالث فقد خصّصه لعصر ما بعد الصحابة، حيث بيّن مصطلح (التابعين) وموقف المحدّثين من الروايات، ثم محنة التوثيق والسندية (Authenticity). ولمّا كان هذا الموضوع ذا صلة وثيقة بعلم الرجال وتطوّره فإنه يتناول ذلك باختصار، لينتقل بعد ذلك إلى الرحلة في طلب الحديث.
وفي الفصل الرابع يبحث بالتفصيل عن المجاميع الحديثية فيقسمها إلى:
1- المسانيد: ويبين في هذا الفرع قيمة مسند الطيالسي، ومسند أحمد بن حنبل، ثم يشير إلى سائر المسانيد.
2- المصنّفات: ويتحدث في هذا الفرع عن مصنّف عبد الرزاق، والمصنّف لابن أبي شيبة، ثم صحيح البخاري، وصحيح مسلم.
3- السنن: وتشمل سنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن الدارمي، وسنن أبي ماجة، وسنن الدارقطني، وسنن البيهقي، وسنن سعيد بن منصور، وسنن أبي مسلم الكشّي.
وأخيراً يتحدث عن مراتب هذه المجاميع.
أما في الفصل الخامس فيتعرض إلى ملامح خاصة عن أدب الحديث، فيتناول نظام (الإسناد) ثم يعرج على ما يسميه بالإجراءات والترتيبات العلمية (Academic Procedures) حيث يقتبس نصاً عن القاضي عياض (المتوفى سنة 544 هجرية = 1149 ميلادية) في كيفية التعامل مع المحدّث وكيفية التلقي منه ثم يشرح بإيجاز كلاً من:
السماع - القراءة - الإجازة - المناولة - المكاتبة - إعلام الراوي - الوصيّة - الوجادة.
وأخيراً يتحدث عن صلة علماء الحديث بالحكومات، والمضايقات التي تعرّضوا لها أحياناً.
وفي الفصل السادس يتحدث عن القواميس أو المعاجم الرجالية، فيذكر (أسماء الرجال) بالخصوص، ثم يتحدث بالتفصيل عن (الطبقات) لابن سعد، و (كتاب التاريخ) للبخاري، و (الجرح والتعديل) للرازي.
ثم يشير إلى تاريخ بغداد، وتاريخ دمشق.
أما في الفصل السابع والأخير فيركّز على علم رواية الحديث، وعلم الجرح والتعديل معرّفاً بهما ومبيناً القيمة النقدية لذلك. ثم يوضح الأهمية القانونية للأحاديث، وينتهي إلى تحليل (المتن) والنقد الذي يتعلق به.
وفي قسم الملاحق:
يخصص الملحق الأول للنساء العالمات بالحديث.
أما الملحق الثاني فيدور حول الحديث وحركة الاستشراق وجهود المستشرقين.
وفي الملحق الثالث يبدي ملاحظات على طبعة (ليدن) من طبقات ابن سعد.
هذه فكرة موجزة عن الكتاب، ومنهجه الذي يبدو مترابطاً منسجماً، ولابد أن نعترف بمهارة الكاتب في استعراض المادة مما يدل على سعة تبحره وطول مراسه في تدريس هذه المادة في جامعة كلكته. ومن يراجع قائمة المصادر التي يرجع إليها، لابد أن يثني على الجهد الذي بذله.
لكن انسجام المنهج وترابطه لا يمنعنا من إبداء بعض الملاحظات العلمية على ما ورد في الفصول السبعة التي سردنا مضامينها بإيجاز.
الملاحظات:
أولاً: تعريف الصحابي
يقول عن مصطلح (الصحابة) أنه يستعمل من قبل المسلمين كعنوان شرف لأولئك المؤمنين الذين حازوا فخر معاصرة النبي (ص).
ويشير إلى أن العلماء ليسوا متفقين جميعاً على المؤهلات المضبوطة التي لا بد أن يتوفر عليها الشخص ليعدّ في عداد الصحابة، ولكن الاتجاه الغالب هو أن هذا العنوان ينطبق على كل مسلم بالغ عاش مع النبي فترة من الزمن مهما كانت قصيرة. وعليه فأقرباؤه وأصدقاؤه المقربون وخدّامه وحتى المسلمون العاديون الذين رأوه مرة واحدة يعتبرون في عداد (صحابته).
ولنقف قليلاً عند هذا المصطلح فالمشهور عند علماء الأصول أن الصحابي هو: (من طالت مجالسته مع النبي صلى الله عليه وآله على طريق التتبع له والأخذ عنه، بخلاف من وفد إليه وانصرف بلا مصاحبة ولا متابعة) (1).
أما المعروف بين جمهور المحدثين فهو ما ذكره المؤلف: (كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالغ بعضهم فادّعى أنه (كل من أدرك زمنه وإن لم يره).
أما قيمة هؤلاء فقد اشتهر بين أهل السنة أن الصحابة كلهم عدول ثقات لا يتطرق إليهم الجرح، ولا يجوز تكذيبهم في شيء من رواياتهم، فكأنهم بمجرد صحبتهم للرسول (ص) أصبحوا معصومين عن الخطأ.
وبهذه المناسبة يذكر الخطيب: (عدالة الصحابة ثابتة معلومة) (2).
ويقول ابن حزم الاندلسي: (الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعاً) (3).
لكن الإمامية لا يرون في مجرد الصحبة علامة على العدالة، وإنها وإن كانت شرفاً عظيماً لكنها لا تقتضي عصمتهم، إذ القرآن مشحون بذكر النافقين الذين آذوا رسول الله بأقوالهم وسلوكهم، في حين ينطبق عليهم وصف (الصحابي) حسب التعريف الذي ذكره المؤلف.
ومن هنا فهناك معايير لتقييم كل صحابي وبيان درجة الاعتماد عليه.
ثانياً: الصحابة وعدد رواياتهم
يشير المؤلف إلى 123 صحابياً روى كل منهم عن رسول الله عشرين حديثاً فما فوق، ونستطيع أن نقسمهم إلى سبع مجموعات:
1- من روى (20 - 30) حديثاً وهم 36 صحابياً:
أبو شريح الكعبي، عبد الله بن جراد، مسوّر بن مخرمة، عمرو بن أمية الدارمي، عمرو بن أمية -غيره-، صفوان، سعد بن عبادة، الربيع، السائب، قرة، عمير بن ربيعة، أم قيس، لقيط بن عامر، الشريد، رفاعة بن رافع، عبد الله بن أُنيس، أوس بن أوس، الفضل بن عباس، أبو واقد الليثي، أبو طلحة الأنصاري، عبد الله بن سلام، سهل بن أبي حَثَمة، أبو المليح الهذلي، عبد الله بن جابر، يعلى بن مرة، أبو حميد الساعدي، أبو مالك الأشعري، عبد الله بن بهينة، أبو أسيد الصائدي، عتبة بن عبد، يعلى بن أمية، عثمان ابن أبي العاص، أم الفضل بنت الحارث، صهيب، عياض بن حماد، معاذ بن أنس.
2- من روى (31 - 40) حديثاً وهم 15 صحابياً:
عرباض بن سارية، خباب بن الأرت، عبد الله بن الزبير، فاطمة بنت قيس، معقل بن يسار، العباس بن عبد المطلب، عمرو بن عبسة، خزيمة بن ثابت، طلحة بن عبد الله، الزبير بن العوام، عمرو بن العاص، أم عطية، أبو ثعلبة الخوشاني، حكيم بن حزام، سهل بن حنيف.
3- من روى (42 - 62) حديثاً وهم 21 صحابياً:
معاوية بن هيده، المقداد، عبد الله بن مفضل، جندب بن عبد الله، بلال الحبشي، أبو حجيفة، أم هاني، أبو برزة، كعب بن عجرة، المقدام، عبد الله بن زيد، سعيد بن زيد بن عمرو، عبد الله بن بشر، شدّاد بن أوس، أسماء بنت أبي بكر، أسماء بنت عميس، حفصة أم المؤمنين، جبير بن مطعم، سلمان الفارسي، عمرو بن عون، عمّار بن ياسر.
4- من روى (65 - 102) حديثاً وهم 14 صحابياً:
عبد الرحمن بن عوف، أم حبيبة أم المؤمنين، عدي بن حاتم، أبو رافع، زيد بن أرقم، وائل بن حجر، ميمونة أم المؤمنين، سلمة بن الاكوع، رافع بن خديج، زيد بن خالد، زيد بن ثابت، عبد الله بن أبي عوف، جابر بن عبد الله، أبو مسعود الأنصاري.
5- من روى (144 - 250) حديثاً وهم 21 صحابياً:
النعمان بن بشير، سمرة بن جندب، ثربان، أسامة بن زيد، أبو بكرة نُفيع، المغيرة بن شعبة، أبو بكر الصدّيق، جابر بن سمرة، عثمان بن عفّان، أبو أيوب الأنصاري، معاذ بن جبل، معاوية بن أبي سفيان، أبيّ بن كعب، بريدة، أبو قتادة، أبو الدرداء، عمران بن حصين، عبادة بن الصامت، سهل بن سعد، معد بن يمان، أبو امامة الباهلي.
6- من روى (271 - 848) حديثاً وهم 9 صحابيين:
سعد بن وقاص (271)، أبو ذر الغفاري (281)، البراء بن عازب (305)، أبو موسى الأشعري (360)، أم سلمة أم المؤمنين (378)، علي بن أبي طالب (536)، عمر بن الخطاب (537)، عبد الله بن عمرو بن العاص (700)، عبد الله بن مسعود (848).
7- من روى أكثر من ألف حديث، وهم 7 من الصحابة:
أبو سعيد الخدري (1170)، جابر بن عبد الله (1540)، عبد الله بن عباس (1660)، عائشة أم المؤمنين (2210)، أنس بن مالك (2286)، عبد الله بن عمر (2630)، أبو هريرة (5374).
بعد هذا الإستعراض الدقيق لهؤلاء الصحابة وعدد الروايات التي رووها عن رسول الله (ص)، ينبغي أن نسجل الملاحظات الآتية:
1- الرقم القياسي يختص به أبو هريرة، حيث روى (5374) حديثاً، ولو قارنّا هذا العدد بمجموع ما رواه سائر الصحابة، نجد أن روايات أبي هريرة تعادل روايات 102 من الصحابة جاء ذكرهم في المجموعة 1و2و3و4و5.
2- وإذا قارنّا رواياته بروايات الخلفاء الراشدين التي ورد ذكرها في الصحاح والمسانيد، كانت روايات الخلفاء الأربعة 25% فقط من روايات أبي هريرة، وإليك الجدول التفصيلي:
الخلفاء الراشدون -=-=-=- أبو هريرة
أبو بكر 142 -=-=-=-=-5374
عمر 537
عثمان 146
علي 536
المجموع 1361
وهذا يستلزم أن تكون صحبة أبي هريرة لرسول الله والاستفادة من علمه ونقل أحاديثه للمسلمين أربعة أضعاف ما كان لمجموع الخلفاء الراشدين الذين لهم مكانتهم في نفوس الجميع ولا أدري إن كان المؤلف مستعداً لقبول هذا الإفتراض.
3- يظهر من (صحيح البخاري) ج2 باب علامات النبوة في الإسلام، ومن ترجمة أبي هريرة في (الإصابة) و (الطبقات) أن أبا هريرة هاجر إلى المدينة بعد فتح خيبر (سنة 7 للهجرة) وأسلم بها ولم تدم صحبته للنبي أكثر من ثلاث سنوات.
بينما يذهب الشيخ محمود أبو ريّة في كتابه (شيخ المضيرة أبو هريرة الدوسي) إلى أن صحبته للنبي لم تدم أكثر من سنة وتسعة أشهر على أبعد التقادير.
وكنّا نتمنى من المؤلف أن يشير إلى هذه الملاحظات مادام بصدد البحث العلمي الأكاديمي ليخرج بتصور معقول عن هذه الضخامة من التراث المنقول عن رسول الله بواسطة أبي هريرة، وما هو التفسير المنطقي لهذه المفارقات؟!
ثالثاً: تحليل المتن
يركز المؤلف على تحليل المتن ودراسته بروح نقدية في الفصل السابع من كتابه. ويقتبس كلاماً للنووي في (التهذيب) (4) مفاده: أنك إذا وجدت حديثاً مخالفاً للعقل أو لخبر صحيح، أو كان معارضاً مع الأصول المتفق عليها، ينبغي أن تعلم أن الحديث مزور.
ثم يربط بحثه حول تحليل المتن -بغض النظر عن السند- بضرورة الإحاطة بالظروف الموضوعية التي واكبت حديثاً عن رسول الله، ذلك أن كثيراً من الأحاديث كان يرتبط بعصر صدر الإسلام ومباشرة الرسول للإدارة، في حين أنها نسخت لاحقاً بتعليمات أخرى. ويستند في مقولته هذه إلى (السنة قبل التدوين) تأليف محمد عجاج الخطيب، طبعة القاهرة 1383 هجرية.
قبل كل شيء لا بد أن نعترف بأننا قد نستغني عن مراجعة سند الرواية وإعمال المعايير الخاصة بذلك ما دام المتن نفسه صريحاً بأنه يستحيل أن يصدر عن رسول الله (ص)، فمثلاً لا نحتاج إلى الكثير من العناء لتفنيد الحديث الذي يرويه أبو هريرة عن رسول الله (أنتم أعلم بأمور دنياكم) خصوصاً مع ملاحظة أن هذه الرواية تفترض أن الرسول -وهو الذي عاش أربعين سنة في الجزيرة العربية قبل أن يبعثه الله رسولاً- كان يجهل ضرورة تأبير النخل، فإن المسألة من البديهيات لمن عاش في تلك المنطقة.
ومن قال أن النبي (ص) جاء لينظم أمور الآخرة فقط، تاركاً تنظيم الأمور الدنيوية إلى عامة الناس، ليعترف -بتواضع- أن الناس أعلم بأمور دنياهم منه؟!
وكذلك يكفي أن نسمع بحديث أبي هريرة عن الذبابة إذا غمست أحد جناحيها في الماء لنغمس الجناح الثاني بحجة أن أحدهما داء والآخر شفاء، فإن المتن نفسه يكشف عن عدم إمكان نسبة ذلك إلى الرسول الذي أكّد على النظافة واعتبرها من الإيمان.
ولعلنا نوفق لفرصة أخرى نتحدث فيها بالتفصيل عن موقف المحقق من (السنة) و (المتن) وكيفية التوفيق بينهما.
رابعاً: قيمة الصحيحين:
في القسم الأخير من الفصل الرابع من الكتاب يبين المؤلف أهمية ثلاثة كتب في الحديث ورجحانها على سائر الكتب، وهي: الموطّأ للإمام مالك، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم.
ويبين كيف تناول البخاري من مؤلفة مباشرة 90. 000 من التلاميذ. بينما ينقل عن الشافعي أن أصح الكتب بعد القرآن هو الموطّأ.
ورعاية الإنصاف تقتضي ترك التعصب، وبيان النقاط الإيجابية والسلبية معاً. وهذا ما سنحاول القيام به.
أ- المادحون
1- يقول كاتب شلبي: (والكتب المصنّفة في علم الحديث أكثر من أن تحصى، إلا أن السلف والخلف قد أطبقوا على أن أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، صحيح البخاري ثم صحيح مسلم) (5).
2- ويقول الذهبي: (وأما جامع البخاري الصحيح، فأجلّ كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله) (6).
3- ويقول الحافظ أبو علي النيسابوري: (ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم) (7).
4- ويقول محمد بن يوسف الشافعي: (إن أول من صنف في الصحيح: البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه، فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه، وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز) (8).
5- وقال إمام الحرمين: (لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن كل ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي (ص)، لما ألزمته الطلاق ولا أحنثته، لإجماع علماء المسلمين على صحتهما) (9).
6- عن أبي زيد المروزي أنه قال: (كنت نائماً بين الركن والمقام، فرأيت النبي (ص) في المنام، فقال لي: يا أبا زيد، إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول الله وما كتابك؟ قال: جامع محمد بن إسماعيل) (10).
7- وفي عصرنا أصدرت جمعية الإصلاح الإجتماعي في الكويت مذكرة تحت عنوان (كل ما في البخاري صحيح) وذلك احتجاجاً على المقال الذي كتبه (عبد الوارث الكبير) تحت عنوان (ليس كل ما في صحيح البخاري صحيح) في مجلة الوعي الإسلامي الصادرة من الكويت.
وفي مقدمة المذكرة رسالة مفتوحة موجّهة إلى أمير الكويت موقّعة من قبل 32 أستاذ جامعة ومعهد علمي في سوريا تطالبه أن يحول دون نشر هذا النوع من المقالات، ومواجهة الكاتب بكل صرامة وقسوة.
ب- الناقدون
إن الأمانة العلمية، والدقة في التقييم يقتضيان الموقف المحايد ونبذ الهوى في إعطاء الكتاب -أي كتاب- هذا الدعم اللامحدود.
وعلى سبيل المثال نشير إلى ما يأتي:
1- أخرج الصحيحان قصة صلاة النبي (ص) على عبد الله بن أبي واعتراض عمر عليه لكن القاضي أبا بكر الباقلاني يقول لا يجوز أن يقبل هذا، ولا يصح أن الرسول قاله (11).
ويقول الإمام الغزالي معلقاً على ذلك: (الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح) (12).
2- نقل الخطيب البغدادي عن سعيد بن عمرو البرذعي، قال: (شهدت أبا زرعة (13) ذكر كتاب الصحيح الذي ألّفه مسلم بن الحجاج، ثم الصائغ على مثاله (14) فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه، فعملوا شيئاً يتشوفون به، ألّفوا كتاباً لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم رئاسة قبل وقتها) (15).
3- ونقل الذهبي ذلك في (ميزان الإعتدال) ج1 ص126، إلا أنه قال (يتسوقون) بدل (يتشوفون).
4- وقد نستغرب أن نسمع من الشيخ جمال الدين الحنفي قوله: (من نظر في كتاب البخاري فقد تزندق) (16).
5- ذكر المحقق ابن الهمام في شرح الهداية: (وقول من قال: أصح الأحاديث ما في الصحيحين، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما اشتمل على شرطهما، ثم ما اشتمل على شرط أحدهما، تحكّم لا يجوز التقليد فيه) (17).
6- ويقول الدكتور أحمد أمين: (إن بعض الرجال الذين روى لهم -أي البخاري- غير ثقاة. وقد ضعّف الحافظ من البخاري نحو الثمانين. وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل... ومن أوضح المثل في ذلك عكرمة مولى ابن عباس، وقد ملأ الدنيا حديثاً وتفسيراً. فقد رماه بعضهم بالكذب، وأنه يرى رأي الخوارج، وبأنه كان يقبل جوائز الأمراء، ورووا عن كذبه شيئاً كثيراً) (18).
7- ويقول أسد حيدر: (إن كتاب البخاري لا يخلو من أحاديث لا تتصف بالصحة، كما لا يخلو من أحاديث عليها علامة الوضع كحديث: إن النبي كان مسحوراً...) (19).
ثم ذكر عدداً من رواة صحيح البخاري كانوا معروفين بالكذب في الحديث من أمثال:
أ- إسماعيل بن عبد الله بن أويس بن مالك.
ب- زياد بن عبد الله العامري.
ج- الحسن بن مدرك السدوسي.
د- الحسن بن ذكران.
هـ- سلمة بن رجاء التميمي.
بعد هذا التتبع في آراء المادحين للصحيحين والناقدين لهما هل يكون الإقتصار على النقاط الإيجابية منسجماً مع روح الباحث المحقق؟!
ومن المواقف التي تستحق التعليق عليها تطرّف البعض من المعنيين بعلوم الحديث لوصف كل حديث لا ينسجم مع أذواقهم بالوضع، كما حدث لابن الجوزي.
وقفة مع (ابن الجوزي) وكتابه (الموضوعات):
من المناسب أن نورد هنا شيئاً مما قالوه فيه، وفي كتابه الموضوعات:
1- قال ابن الأثير وابن الوردي والدياربكري، بترجمته: (كان كثير الوقيعة في الناس، لا سيما في العلماء المخالفين لمذهبه) (20).
2- وقال الذهبي: (قرأت بخط الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر، فسقطت لحيته فكانت قصيرة جداً، وكان يخضبها بالسواد، وكان كثير الغلط في ما يصنّفه، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره.
قلت: نعم، له وهم كثير في تواليفه، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحويل إلى مصنف آخر، ومن أن جل علمه من كتب صحف ما مارس فيها أرباب العلم كما ينبغي) (21).
3- وقال السيوطي والداوودي بترجمته: (قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة، بل باعتبار كثرة اطّلاعه وجمعه) (22).
وسيأتي قول ابن حجر الحافظ (أن ابن الجوزي حاطب ليل لا ينتقد ما يحدّث به).
4- وأما كتابه (الموضوعات) فقد تكلّم فيه كبار علماء الحديث: كالنووي، وابن الصلاح، وابن جماعة، والزين العراقي، وابن كثير، وابن حجر، والسخاوي، والسيوطي...
قال ابن كثير: (وقد صنّف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات، غير أنه أدخل فيه ما ليس منه، وأخرج عنه ما كان يلزمه ذكره، فسقط عليه ولم يهتدِ إليه) (23).
5- وقال ابن حجر بعد إثبات حديث سدّ الأبواب إلا باب علي، وأن ابن الجوزي أدرجه في الموضوعات: (أخطأ في ذلك خطأً شنيعاً).
قال: (لأن {فوق كل ذي علم عليم} (24)، وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم على حديث بالبطلان، بل يتوقف فيه إلى أن يظهر لغيره ما ظهر له...) (25).
6- وقال السخاوي: (ربّما أدرج فيها الحسن والصحيح مما هو في أحد الصحيحين فضلاً عن غيرهما، وهو توسع منكر نشأ عنه غاية الضرر، من ظنّ ما ليس بموضوع -بل هو صحيح- موضوعاً مما قد يقلده فيه العارف تحسيناً للظن به حيث لم يبحث فضلاً عن غيره، ولذا انتقد العلماء صنيعه إجمالاً، والموقع له استناده في غالبه بضعف رواية الذي رمي بالكذب مثلاً، غافلاً عن مجيئه من وجه آخر) (26).
هذه ملاحظات سريعة تستدعي بعض التأمل عند مطالعتنا للكتاب، تساعدنا على رؤية أكثر وضوحاً حين نتناول الحديث النبوي بالدراسة.
والله ولي التوفيق.