المولف :
السيد فاضل الحسيني الميلاني
المقدمة
تحدثنا في الأسبوع الماضي عن حقيقة الشفاعة، ثم قسّمنا الآيات إلى مجموعتين: شفاعة مرفوضة، وشفاعة مقبولة، وبعد التدقيق في الآيات القرآنية وجدنا الأسباب الحقيقة التي من أجلها رفضت شفاعة المجموعة الأولى، وقبلت شفاعة المجموعة الثانية، فالمسألة ليست اعتباطية، ولكنها منضبطة بضوابط دقيقة.
والآن نريد أن نعرف من هم الشفعاء؟
1. قال رسول الله (ص): (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجّلّ كل نبي دعوته، وإني خبأت دعوتي، شفاعة ً لأمتي، وهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئاً) (1).
2. وقال أيضا ً: (إن الله أعطاني مسألة فأخرت مسألتي لشفاعة المؤمنين من أمتي يوم القيامة، ففعل ذلك) (2).
3. وقال أيضا ً: (إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) (3).
4. قال تعالى مخاطبا ً رسوله الكريم: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) (4)، أجمع المفسرون على أن المراد من المقام المحمود هو مقام الشفاعة التي مُنحت لرسول الله (ص) (5) واستنادا ً إلى ذلك روي عن رسول الله (ص): (إذا قُمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي فيشفعني الله فيهم)
5. قال تعالى مخاطبا ً رسوله الكريم: (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى، ولسوف يعطيك ربك فترضى) (6)، عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآية: (الشفاعة، والله الشفاعة، والله الشفاعة) (7).
من مجموع ما تقدم نعرف أن الشفاعة ثابتة لرسول الله (ص)، حسب النصوص المتقدمة.
(ما من أحد ٍ إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد ٍ يوم القيامة)
الأنبياء والعلماء والشهداء
1. قال رسول الله (ص): (ثلاثة يشفعون إلى الله عز وجل فيشفعّون: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء) (8).
2. عن الإمام الصادق عليه السلام: (إذا كان يوم القيامة... قيل للعابد: انطلق إلى الجنة، وقيل للعالم: قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم) (9).
3. قال رسول الله (ص): (تعلّموا القرآن فإنه شافع لأصحابه يوم القيامة) (10).
ونظير ذلك قوله (ص): (إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفّع) (11) إن القرآن هو الهداية الكبرى التي لا يأتيها الباطل وهو المعجز الخالد الذي ينير الطريق للأجيال كلها، فهو الشفيع في طريق الهداية.
وفي نفس السياق يقول أميرالمؤمنين عليه السلام: (من شفَعَ له القرآن يوم القيامة شُفّع فيه) (12).
4. والمؤمن يستطيع أن يشفع يوم القيامة، قال الإمام الباقر (ع): (إن المؤمن يشفع في مثل ربيعة ومضر، وإن المؤمن يشفع حتى لخادمه، ويقول: يا رب حق خدمتي، كان يقيني الحرّ والبرد) (13) ولا بدّ من الإشارة إلى أن المقارنة بقبيلتي ربيعة ومضر كانت مألوفة في الأدب العربي منذ زمن طويل، بُغية بيان كثرة العدد.
5. الأئمة من ولد الإمام الحسين عليه السلام، قال رسول الله (ص): (الأئمة من ولد الحسين عليه السلام، من أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى وهم الوسيلة إلى الله تعالى) (14).
وفيما يتعلق بالوسيلة، روى أبو سعيد الخدري قال: (كان النبي (ص) يقول: إذا سألتم الله لي فاسألوه الوسيلة، فسألنا النبي عن الوسيلة، فقال: هي درجتي في الجنة) (15).
وعلّق العلامة الطباطبائي على هذا الحديث بقوله: (وأنت إذا تدّبرت الحديث، وانطباق معنى الآية عليه وجدت أن الوسيلة هي مقام النبي من ربه الذي به يتقرب هو إليه تعالى، ويلحق به آله الطاهرون، ثم الصالحون من أمته، وقد ورد في بعض الروايات عنهم عليهم السلام: أن رسول الله آخذ بحجزة ربه، ونحن آخذون بحجزته، وأنتم آخذون بحجزتنا) (16).
الأثر التربوي للشفاعة
ليس الاعتقاد بالشفاعة موجبا ً للتقاعس والكسل، كما لا يقلّل من أهمية العمل، فإن (كل نفس بما كسبت رهينة) لكن الاعتقاد بالشفاعة يُعطي الأمن ويثلج صدر المؤمن فإنه يعمل ويجدّ وهو واثق في أنه بفضل الشفاعة يوفّق للتوبة ويمّن عليه الباري عز وجل بالقبول.